إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2018/04/26

Life Insurance & Saving: a new policy in Egypt




إعداد
مصباح كمال


نشرت هذه المقالة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:


تقديم

حصّلت مؤخراً على بعض المعلومات عن نمط "جديد" من التأمينات الشخصية للفئات المهمشة في المجتمع تجمع بين التأمين والادخار بدأت شركة مصر لتأمينات الحياة بالتعاون مع أربعة بنوك مصرية بتسويقها[1]، وأطلقت عليها اسم "شهادة أمان المصريين".

ومما جاء في هذه المعلومات أن بيع شهادة الأمان يمكن أن يساهم في نمو قطاع التأمين المصري بنسبة تتراوح بين 4% و5%.  ويتوقع الدكتور عادل منير، الأمين العام للاتحاد الآفروأسيوى للتأمين وإعادة التأمين، مقرها في القاهرة، أن تقوم البنوك في مصر ببيع حوالي 12 مليون شهادة أمان خلال الأشهر الـ 18 المقبلة، والتي قد تصل قيمتها إلى 600 مليون جنيه مصري (34 مليون دولار أمريكي).[2]

هدفي من وراء نقل هذه المعلومات هو حث إدارات شركات التأمين العراقية دراسة هذا النمط من التأمين، والتفكير بمدى ملائمته للعراق وإن اقتضى الأمر التعاون مع شركة مصر لتأمينات الحياة للاستفادة من تجربتها وخاصة ما له علاقة بالتعاون بين شركات التأمين والمصارف.

شهادة أمان المصريين

أنقل أدناه بعض المعلومات الصحفية عن شهادة الأمان المصرية.[3]

ما هي شهادة أمان؟
هي تغطية تأمينية في صورة شهادة ادخارية للفئات المهشمة، وتم إصدارها بعد مطالبة الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة توفير تغطية تأمينية لهذه الفئات والمتمثلة في العمالة الحرة.

ما هي البنوك المشاركة في هذه الشهادة؟
بنك مصر وبنك القاهرة والبنك الزراعي، والبنك الأهلي بالتعاون مع شركة مصر لتأمينات الحياة.

ما هو سعر الشهادة؟
شهادة أمان مقسمة لشرائح تبدأ من 500 جنيه كأقل سعر للشهادة وتصل إلى 2500 جنيه أعلى سعر لها.

ما هو مدة الشهادة
الشهادة مدتها ثلاث سنوات ويتم استرداد المبلغ بالفوائد بعدها.

ما قيمة الفوائد؟
الشهادة الادخارية ستكون مدتها 3 سنوات بقيمة 500 جنيه ومضاعفاتها، حتى 2500 جنيه، ويتم استرداد المبلغ بالفوائد بعد ثلاث سنوات، بفائدة 16% سنويا ويمكن استردادها في أي وقت.

ما حالات صرف التعويضات والمعاش لصاحب الشهادة؟
توفر الشهادة تعويض قدره 10 آلاف جنيه في حالة الوفاة الطبيعية، و50 ألفا للوفاة نتيجة حادث وتصل إلى 250 ألف جنيه كحد أقصى، إذا اختار صاحب الشهادة شراء الحد الأقصى لها 5 شهادات بقيمة 2500 جنيه.

تعتبر الميزة في الشهادة الادخارية أنها توفر معاشا لأسرة المتوفى، إذا طلب صاحب الشهادة هذ ما يتيح تقديم دخل شهري للأسر التي قد لا تملك عائلا، وفى هذه الشهادات يختار الشخص المدة كالتالي:

5 سنوات بقيمة 200 جنيه معاش شهري في حالة شراء شهادة ب 500 جنيه.
10 سنوات بقيمة 120 جنيه شهريا في حالة شراء شهادة ب 500 جنيه.
1000 جنيه لمدة خمس سنوات في حالة شراء الحد الأقصى للشهادات 2500 جنيه.
600 جنيه لمدة عشر سنوات في حالة شراء الحد الأقصى للشهادات 2500 جنيه.

كيف تصرف قيمة الشهادة؟
يتم صرف أرباح الشهادة البالغة قيمتها 16% أربع مرات في العام المرة الواحدة كل ثلاث شهور.
كم عدد الشهادات التي أصدرت حتى الآن؟

قال طارق فايد، رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة بحسب تصريحات صحفية سابقة، إن مصرفه أصدر شهادة "أمان المصريين " للتأمين على العمالة المؤقتة والموسمية والشرائح ذات الدخل المحدود، بحصيلة إجمالية تساوى نحو 10 ملايين جنيه، منذ بدء طرحها في 4 مارس 2018، وحتى الآن.

وتم إصدار 7500 ألف شهادة أمان، مؤكدًا أن حالة الإقبال متزايدة على شراء الشهادة ببنك القاهرة مع زيادة الوعي التدريجي بالشهادة.

كما قال يحيى أبو الفتوح نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري في تصريحات صحفية سابقة، إن مصرفه أصدر شهادة "أمان المصريين" للتأمين على العمالة المؤقتة والموسمية والشرائح ذات الدخل المحدود، تقدر بنحو 12 ألف شهادة وحصيلة إجمالية تساوى 20 مليون جنيه، وذلك خلال أسبوعين فقط.

في حين قال السيد قصير رئيس مجلس إدارة البنك الزراعي في تصريحات صحفية سابقة إن البنك أصدر 10.5 ألف شهادة "أمان المصريين" للتأمين على العمالة المؤقتة والموسمية والشرائح ذات الدخل المحدود، بحصيلة إجمالية تساوى 12.6 مليون جنيه حتى الآن، منذ بدء طرح الشهادة، لافتًا إلى أنها تشهد إقبالًا متزايدًا على مدار الأيام الماضية.

ما شروط إصدار الشهادة؟
إصدار الشهادة يتم بكل سهولة، ودون أن تطلب من صاحبه أي إقرارات صحية أو كشوف طبية، فهو خدمة تأمينية تهدف لتقديم تغطية دون استثناءات، ويتم صرفها فورا للمتقدم، ولا يوجد بها شرط تأجيل الحصول على التعويض مثلما يوجد في بقية الوثائق، ويشترط المشاركون بها أن يكون ففي سن من 19 حتى 59 عاما.

ونشر موقع مصراوي الإلكتروني استمارة شراء شهادة "أمان المصريين.[4]  كما نشر تفاصي إضافية في مقالة بعنوان 10" معلومات يجب أن تعرفها قبل شراء شهادة "أمان المصريين."[5]  ومما جاء في هذه المقالة أن الشهادة تستهدف في الأساس

"توفير حماية تأمينية للعمالة الموسمية والمؤقتة، والعمال الذين ليس لهم دخل ثابت، والمرأة المعيلة، بما يضمن استقرار أسرهم في حالة الوفاة.

والشهادة متاحة أمام جميع المصريين، وليس العمالة اليومية فقط، بشرط أن يكون المواطن في الفئة العمرية بين 18 و59 سنة.

وتبلغ مدة الشهادة 3 سنوات تجدد تلقائيا مرتين فقط، بفائدة سنوية 16% تصرف في نهاية مدة الشهادة، بعد خصم الأقساط التأمينية التي تتراوح بين 4 جنيهات و20 جنيها شهريا، بحسب قيمة الشهادات التي اشتراها العميل.

وتتيح الشهادة للعميل الاختيار بين الحصول على معاش شهري لمدة 5 أو 10 سنوات، أو تعويض نقدي، يستفيد منه ورثته بعد وفاته.

وتختلف قيمة المعاشات والتعويضات في حالة الوفاة الطبيعية عن حالة الوفاة نتيجة حادث.
ويبدأ المبلغ التأميني الذي يمكن سداده دفعة واحدة في حالة الوفاة الطبيعية 10 آلاف جنيه و50 ألف جنيه في حالة الوفاة الناتجة عن حادث، وصولا إلى 50 ألف جنيه في حالة الوفاة الطبيعية و250 ألف جنيه في حالة الوفاة الناتجة عن حادث، بحسب قيمة الشهادة.

بينما تبدأ قيمة المعاش الشهري، في حالة الوفاة الطبيعية من 200 جنيه حتى ألف جنيه، إذا كان المعاش لمدة 5 سنوات، ويبدأ من 120 جنيهاً حتى 600 جنيه إذا كان المعاش لمدة 10 سنوات.
ويبدأ المعاش في حالة الوفاة نتيجة حادث من ألف جنيه حتى 5 آلاف جنيه، إذا كان المعاش لمدة 5 سنوات، ويبدأ من 600 جنيه حتى ألفي جنيه، إذا كان المعاش لمدة 10 سنوات.

وقبل شرائك شهادة أمان المصريين هذه 10 معلومات يجب أن تعرفها عن الشهادة بحسب الشروط والقواعد التي أصدرها البنك الأهلي وحصل عليها مصراوي:
1- شراء الشهادة يكون بالبطاقة الشخصية فقط، وبدون تقديم أية مستندات أخرى.

2- شراء الشهادة بدون أي مصروفات بنكية.

3- لا يجوز الاقتراض بضمان الشهادة ولا إصدار بطاقات الائتمان بأنواعها.

4- تسترد الشهادة في نهاية مدتها بكامل قيمتها بالإضافة إلى العوائد المتبقية بعد خصم أقساط التأمين إن وجدت.

4- يمكن استرداد قيمة الشهادة في أي وقت وفقا لرغبة العميل بقيمتها الاسمية (التي اشتري بها الشهادة) فقط دون الالتزام بفترة الـ 6 شهور، وذلك في حالة شراء العميل للشهادة بنفسه.

5- في حالة شراء الشهادة للعميل عن طريق جهة (مثل الشركة التي يعمل بها) لا يجوز استرداد الشهادات خلال مدة 6 سنوات.

6- شراء الشهادة عن طريق العميل بصفته الشخصية، ولا يجوز الشراء بتوكيل أو على سبيل الهبة والتبرع وكذلك عدم إصدار شهادات مشتركة، ويجوز للأشخاص الاعتبارية (مثل الشركات والمؤسسات) دون غيرهم شراء الشهادات لصالح الأفراد.

7- يحصل العميل على وثيقة تأمين على الحياة تسدد أقساطها من الفائدة السنوية المقررة على الشهادات.

8- في حالة شراء العميل شهادات بقيمة تزيد عن 2500 جنيه، فإن الشهادات الإضافية تخرج من التغطية التأمينية ولا تجرى عليها سحوبات الجوائز، على أن يتمتع العميل بسعر العائد الخاص بهذه الشهادات الإضافية كاملا.

9- تسقط وثيقة التأمين في حالة قيام العميل باسترداد الشهادة أو بلوغه سن الـ60.

10- يحدد العميل عند طلب شراء الشهادات طريقة صرف التعويض في حالة وفاته، سواء صرفه مباشرة إلى الورثة الشرعيين، أو إلى أشخاص يحددهم بالاسم، أو صرف معاش شهري، مع تحديد اسم واحد للمستفيد منه."

وثائق التأمين على الحياة في العراق: ضعف الطلب الفعّال

شركة التأمين العراقية (تأسست سنة 1959)، وكانت تعرف باسم الشركة العراقية للتأمين على الحياة، متخصصة بأعمال التأمين على الحياة (1988-1964)، هي الأكبر والأقوى بين الشركات العراقية في فرع التأمين على الحياة.  وحسب المعلومات المتوفرة عندي فإن أنواع وثائق التأمين المعتمدة من قبل الشركة هي:[6]

التأمين المؤقت على الحياة Term Assurance
وثيقة التأمين على الحياة قصير الأجل، وهي من أبسط عقود التأمين على الحياة.  تدفع هذه الوثيقة مبلغ التأمين المتفق عليه للمستفيد المُسمى في الوثيقة في حالة وفاة المؤمن عليه قبل انتهاء مدة التأمين.  وفي حالة انتهاء المدة وبقاء المؤمن عليه على قيد الحياة فإن عقد التأمين ينتهي دون قيام أي التزام على شركة التأمين.

وثيقة التأمين المختلط على الحياة Endowment Assurance
تعرف أيضاً باسم تأمين الوقفية، وسميت بالعربية "المختلط" لأنها تضم التأمين المؤقت Term Assurance والتأمين حال الحياة/الوقفية البحتة Pure Endowment Assurance.  بموجب وثيقة شركة التأمين العراقية فإن المؤمن عليه يستحق مبلغ التأمين في حالة بقاء المؤمن عليه على قيد الحياة حتى انتهاء مدة التأمين.  كما يستحق المستفيد مبلغ التأمين في حالة وفاة المؤمن عليه قبل انتهاء مدة التأمين.

التأمين المؤقت على الحياة مع رد الأقساط Term Assurance with Return of Premiums
يستحق المؤمن عليه مبلغ التأمين في حالة بقاء المؤمن عليه على قيد الحياة حتى حلول أجل التأمين (انتهاء مدة التأمين) بما يعادل القيمة النقدية المضمونة guaranteed cash value للوثيقة وتساوي مجموع أقساط التأمين التي سددها المؤمن عليه.  كما يستحق المستفيد مبلغ التأمين في حالة وفاة المؤمن عليه قبل انتهاء مدة التأمين.

ومما قلته بشأن الانتفاع من حماية وثائق التأمين على الحياة في العراق أنه محدود وهو "ليس متيسراً لعموم الناس فالفقراء والفئات المهمشة، وهم يعدون بالملايين في العراق، غير قادرين على شراء التأمين على الحياة لأن الدخل المتوفر لديهم بالكاد يبقيهم على قيد الحياة، ناهيكم عن الجهل بمؤسسة التأمين.  وحتى التأمين المتناهي الصغر microinsurance لا يمكن له أن ينجح بدون أن يتوفر حد أدنى من الدخل للمشاركين فيه."

ترى هل بإمكان شركات التأمين، في غياب الطلب الفعال على حماية التأمين، جذب تلك الفئات ما فوق الفئات الفقيرة والمهمشة نحو الاستفادة من أغطية تأمينية رخيصة الثمن نسبياً؟  ومهما يكن الأمر، فقد آن الأوان لهذه الشركات لتكثيف دورها في إشاعة أنماط جديدة من وثائق التأمين ذات الكلفة المنخفضة.  أليس بالإمكان التعلم من التجربة المصرية؟

23 نيسان 2018


[2] مصدر سابق.
[4] للاطلاع على هذه الاستمارة وغيرها أفتح هذا الرابط:

[6] مصباح كمال، "ضحايا الاغتيالات في قطاع التأمين العراقي والتأمين على الحياة: محاولة في التعريف بهذا التأمين،" مجلة الثقافة الجديدة، العدد 394، تشرين الثاني 2017.  نشرت المقالة أيضاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

قد تكون شركات التأمين الأخرى، ومن بينها شركة التأمين الوطنية، ثاني أكبر شركة في فرع التأمين على الحياة، تمارس أشكالاً أخرى من التأمين على الحياة ليس معروفاً لدينا.

Revival of Tribal Values & Insurance - arbitration


إحياء العشائرية والتأمين: نموذج جديد للتحكيم؟


مصباح كمال


الإعلان عن التحكيم العشائري وغياب قطاع التأمين

نقلت وكالات الأنباء العراقية بياناً صادراً من وزارة العدل بتاريخ 28 آذار 2018 بخصوص "انطلاق مشروع التحكيم العشائري باشراف وزارة العدل وباعتماد محكمين عشائرين (عوارف) من جميع المحافظات"، وجاء فيه أنها "اقامت احتفالية حضرها وزير العدل حيدر الزاملي وعدد من الشخصيات السياسية والعشائرية."[1]

ترى هل استأنست وزارة العدل برأي قطاع التأمين العراقي فيما أقدمت عليه؟  يبدو لي أنها لم تفعل وإلا لكان ممثلو القطاع حاضرين في احتفالية الوزارة.  ولكن هل لقطاع التأمين موقف من مشروع التأمين العشائري؟  لا أظن ذلك إذ لم أقرأ شيئاً صادراً من جمعية التأمين العراقية وحتى من أي من شركات التأمين العامة والخاصة بشأن الموضوع (وهو ليس بالمستغرب إذ أن قطاع التأمين، لسبب أو لآخر، ينأى بنفسه من الشأن العام.

سنهمل في هذه الورقة مناقشة تعارض التحكيم العشائري مع ميثاق حقوق الإنسان، ولن نناقش إقحام الدين في الموضوع من قبل لجنة العشائر في البرلمان، ومصادرتها للحق العام بالنقاش بدعوى عدم جواز الإساءة للعشائر وأعرافها وكأنها بقرات مقدسة لا يجوز المس بها، ولا الأبعاد السياسية المتعلقة بالانتخابات البرلمانية.  نترك ذلك وغيره للمحللين السياسيين.[2]  سنركز، قدر المستطاع، على البعد التأميني.



السير على خطى النظام الدكتاتوري

نظام المحاصصة في العراق ليس معنياً ببناء مؤسسات الدولة الحديثة إلا شكلياً، كالديمقراطية المعطوبة التي يتعكز عليها.  ولا يجد النظام غضاضة من إحياء النظم والقيم العشائرية بحلة عصرية كي لا يقال عنه بأنه يسير على خطى النظام الدكتاتوري.  لنقرأ بعض ما كتبه المرحوم د سليم الوردي للكشف عما قام به النظام السابق، فهو يقول إن الدولة عندما تكون في أزمة ينحسر:

"دور القضاء في حل المنازعات المدنية والجزائية لصالح "الفصل" العشائري. ووجد الكثير من الناس أن فض نزاعاتهم بالأسلوب العشائري أجدى من تقديم شكاواهم إلى مركز الشرطة، التي ما أسهل أن يتحوّل فيها المدّعي إلى متهم، والمتهم إلى بريء، حسب موازين التأثير المالي (الرشوة) والنفوذ العشائري للأطراف المتنازعة. وتروى في هذا المجال قصص غريبة لا يكاد يصدّقها العقل.  ونشطت في مجال الفصل العشائري مكاتب غير رسمية، لا تقل في حيوية نشاطها عن مكاتب المحامين، وظيفتها التوسط لفض المنازعات بالأسلوب العشائري.  مقابل أتعاب (عمولة) تفوق نسبتها ما يحصل عليه كبار المحامين.  وراح من يُبتلى بمنازعة مع طرف عشائري، يلوذ بهذه المكاتب، بسبب جهله بتقنيات العرف العشائري، سياقاته وقواعده ومصطلحاته.

لم يقتصر تشجيع السلطة للعلاقات العشائرية على دعمها مادياً ومعنوياً، بل وعلى إضعاف فاعلية بعض القوانين المدنية المصممة لتسوية النـزاعات المدنية، مما فتح الباب على مصراعيه لإحلال أسلوب الفصل العشائري بديلاً عنها.  وكنت شاهداً على مثال حي يتعلق بتطبيقات قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات، بحكم عملي في شركة التأمين الوطنية."[3]

موقف معلن لأكاديميين وأطباء ضد التهديد العشائري

وقد تناولت بالنقاش تصاعد القيم والأعراف العشائرية بعد 2003 وتأثيرها على دور التأمين في مقالة كتبتها عقب إصدار رابطة الأكاديميين العراقيين، والجمعية الطبية العراقية-العالمية، والجمعية الطبية العراقية-بريطانيا "مذكرة إدانة لجرائم اغتيال العلماء والأطباء وأساتذة الجامعات في العراق" موجهة إلى رئيس جمهورية العراق، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس النواب.  ومما جاء في المذكرة:

تتصاعد من حين لآخر ظاهرة مأساوية وكارثية تتعلق باغتيال العلماء والأطباء وأساتذة الجامعات في العراق، لأسباب متعددة، بعضها يتعلق بطبيعة الصراع الداخلي بكل أبعاده، وبعضها يعود لأجندات خارجية تهدف إلى استنزاف الكفاءات العلمية العراقية، لاسيما التركيز على علماء الفيزياء والكيمياء والمهندسين وأساتذة الجامعات في كل الاختصاصات المهمة. أما الأطباء فلهم نصيب وافر من التهديد بالقتل والاختطاف بحكم طبيعة عملهم المباشر مع كل شرائح المجتمع، فهم في خطر حقيقي مهددين من عصابات الجريمة المنتشرة بسبب ضعف القانون، ومن التهديد العشائري المتخلف الذي يريد فرض إرادته نتيجة تحميل الطبيب المسؤولية عن أي عملية جراحية لم يكتب لها النجاح بسبب اعتقاد ذوي المريض بأن الطبيب هو من تسبب في ذلك، وبالتالي مطالبته بالخضوع للقيم العشائرية ودفع التعويضات.  [التأكيد من عندي]

القيم العشائرية وانزياح دور التأمين

وقد كتبت التالي حول اغتيال الأطباء والقيم العشائرية وانزياح التأمين واقتبسه دون تعديل لأنه يصبُّ في صلب موضوعنا: [4]

ليس بإمكان مؤسسة التأمين التخلص من القيم العشائرية لكنها تساهم في التقليل من وقعها من خلال توفير آلية بديلة لهذه القيم متى ما انتشرت ثقافة التأمين في المجتمع.  يجب الإقرار بأن التأمين لا يوفر علاجاً لجميع العلل التي ابتلي بها العراق خاصة وأن مؤسسة التأمين العراقي ضعيفة.

ربما لا تشجع التجربة في زمن الدكتاتورية وزمن المحاصصة (في مجال تسوية مطالبات التعويض بموجب التأمين الإلزامي من حوادث السيارات) الاستفادة من آلية التأمين للتعويض عن الأخطاء المهنية للعاملين في المجال الطبي، لكن ذلك يجب ألّا يكون عائقاً أمام إدخال وثائق تأمين المسؤولية المهنية للأطباء قيد الاستعمال أو تأسيس صندوق تأميني من قبل النقابات المهنية.  نقول هذا لأن القيم العشائرية لا تشكل مرجعية للتعويض لدى كل شرائح المجتمع العراقي لا بل أنها مستهجنة لأنها علامة على التخلف المرفوض على مستوى الفكر.  وفي ظل الأوضاع القائمة يظل هاجس الخوف والقلق النفسي مصاحباً للعاملين في المجال الطبي فلا أقل من أن يخففوا من هذا الحال بالاعتماد على التأمين، فهو، في نظر البعض، آلية لتقليص عدم التأكد والقلق

إن العديد من الدراسات التأمينية تتحدث عن الدور، أو الوظيفة، أو القيمة، الاقتصادية والاجتماعية للتأمين كونه آلية حماية للتخفيف من الآثار المالية للحوادث الخارجية التي تحصل للأفراد (وأصحاب المعامل والمحلات التجارية) وهي في مجملها حوادث خارج سيطرتهم كالمرض والوفاة والكوارث الطبيعية والحوادث على أنواعها، من خلال التعويضات التي يحصلون عليها من شركة التأمين.[5]  كما تبين هذه الدراسات أن التأمين يساهم في الحفاظ على أنماط الاستهلاك ذلك لأن الفرد لا يُموّل تصليح الضرر اللاحق بأمواله أو مواجهة تبعات مسؤولياته عن الضرر الذي يسببه تجاه الغير من دخله وإنما من التعويض الذي تقدمه شركة التأمين.

لكن هذه الدراسات لا تشير إلى دور التأمين في التخفيف من النزاع بين الأفراد عند وقوع حادث: من المسؤول عن الضرر الناتج.  مثال، انتشار الحريق من دار تعرَّض للحريق إلى دار أو دور الجيران، أو المسؤولية عن حادث سير، أو خطأ طبي أو أي خطأ مهني آخر.

في المجتمعات التي يُشكّل فيها التأمين عنصراً مهماً لمواجهة آثار الأخطار التي تحيق بالناس فإن التنازع بين شخص وآخر في موضوع خاضع للتأمين لا يتحول إلى وسيلة ابتزاز أو اعتداء جسدي إذ أن عبء الآثار المالية لموضوع التأمين (الحريق، التصادم) يُحوّل على عاتق شركة التأمين.  وقد لعبت مؤسسة التأمين العراقي هذا الدور أيضاً.  على سبيل المثل، فإن احتمال انتشار الحريق من دار مؤمن عليها إلى دار مجاور يصبح موضوعاً للتعويض بموجب ملحق خاص لوثيقة التأمين من الحريق (تأمين المسؤولية القانونية تجاه الجيران).  وكذا الأمر بالنسبة لتصادم سيارتين (خاصة مع تشريع قانون التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات لسنة 1964، وبعده قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات لسنة 1980).

لقد شكّلت هذه القوانين نقلة نوعية مهمة في تنظيم جانب صغير من العلاقات بين الناس خارج قيم النظام العشائري.  لقد كانت خطوة محمودة في حماية الناس من الآثار الاقتصادية السلبية وغيرها، التي تتركها حوادث السيارات على مسببي الحوادث وضحاياها على حد سواء.  وهي في ذلك تقوم بوظيفة اجتماعية عصرية تتجاوز الأطر التقليدية في جبر الضرر من خلال تحويل عبء الخلاف بين الضحية ومسببها إلى طرف آخر هي شركة التأمين للنظر في النزاع بينهما بدلاً من الاعتماد على الفصل العشائري.  لم تندحر القيم العشائرية ذلك لأن العادات قاهرات، كما يقول المثل، إلا ان القوانين الحديثة سجّلت بداية لتجاوزها.  ويمكن للتأمين أن يلعب نفس الدور فيما يخص أخطاء المهنة وتعويض المتضررين منها.


يرد في معظم وثائق التأمين العراقية شرطاً للتحكيم بمقتضى أحكام القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 وتعديلاته (الفقرة 4 من المادة 958).[6]

فعندما ينشأ خلاف بين المؤمن والمؤمن له حول مبلغ التعويض أو تفسير شروط التأمين قد يلجأ الطرفان إلى المحاكم لإيجاد حل.  وكإجراء سهل، أقل بيروقراطيةً، وأوفر اقتصادياً، يمكن للطرفين الاتفاق على إحالة الخلاف بينهما إلى محكم فرد يقوم بتقديم حلٍ للخلاف، وفي حالة عدم اتفاقهما على محكم فرد يقوم كل من الطرفين بتعيين محكم، ويقوم هــــذان المحكمان بتعيين محكم ثالث، المحكم الفيصل، يرأس الاجتماعات ويكون له القرار النهائي في حالة اختلاف وجهة نظر المحكمين المعينين من قبل طرفي التحكيم.

ترى هل أن شركات التأمين العراقية، جرياً وراء نظام التحكيم العشائري، ستتخلى عن شرط التحكيم في وثائق التأمين التي تقوم بإصدارها؟  وهل أن العارف العشائري يمتلك الإدراك التأميني الكافي للتحكيم في المنازعات التأمينية؟  وهل ستكون قرارات التحكيم العشائري ملزمة لشركة التأمين؟

بدلاً من تعزيز قوانين الدولة ومؤسساتها القضائية والمكانة الاجتماعية للتأمين يتفتق الذهن المحاصصي عن فكرة جديدة/قديمة لتكريس التخلف الثقافي.  إن اللجوء إلى إطلاق التحكيم العشائري دليل على فشل الدولة في تطبيق قوانينها وتجاوز على مؤسسة القضاء.

14 نيسان 2018


[2] لمزيد من التفاصيل، أنظر: مصطفى سعدون، "مشروع للتحكيم العشائريّ يقوّض سلطة القانون في العراق،" المونيتور:
[3] د. سليم الوردي مقتربات إلى المشروع السياسي العراقي، 1921-2003 (بغداد: د.ن، 2005)، ص 107.  ترد تفاصيل إضافية بشأن اللجوء إلى التسوية العشائرية لتعويضات التأمين الإلزامي من حوادث السيارات بع الهبوط الحاد في قيمة الدينار العراقي.
[4] مصباح كمال، "اغتيال الأطباء في العراق والتأمين من المسؤولية المهنية،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:
[5] John H. Magee, General Insurance (Chicago: Richard D. Irwin, Inc., 1945),1st Ed 1936, Chapter III: Social Value, pp 42-53.
[6] للتعرف على مضامين التحكيم في التأمين راجع: وليد جاسم القيسي، "التحكيـــــم في التأميــــــن وإعـــــــادة التأميــــن،" ومنذر عباس الأسود، "التحكيم في القانون والتأمين،" مرصد التأمين العراقي